Powered By Blogger

الخميس، 26 ديسمبر 2013

قراءة في كتاب معالم السيرة النبوية «1»


قراءة في كتاب معالم السيرة النبوية «1»
جريدة عمان
د. محمد عبدالرحيم الزيني – أستاذ الفلسفة الإسلامية -
صدر منذ فترة قليلة كتاب (معالم السيرة النبوية) تأليف سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي في طبعة راقية وتجليد فاخر، عن دار الضامري للنشر بمسقط، ويتناول محطات سريعة، من التأريخ القديم تضرب في أعماق التأريخ بداية من أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، إلى سيد الأنبياء محمد ـ صلى الله عليه وسلم، ويقف وقفات طويلة أمام حياة الرسول ومبعثه وبعض غزواته.
والكتاب عبارة عن جملة من البحوث والمحاضرات، واللقاءات الصحفية، كتبت في مناسبات مختلفة وأوقات متباعدة. يجمعها وحدة الموضوع ودورانها حول سيرة الرسول الكريم.
ولا شك أن الموضوع ليس جديدا، فكافة المسلمين في أقطار الأرض يحتفلون بالمناسبات الدينية وأعظمها ميلاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهجرته من مكة المكرمة بعد أن نبا به المضجع إلى المدينة أرض الرجاء والأمل، ورحلته المعجزة أي الإسراء والمعراج، وقد يتبادر للقارئ المتسرع أن هذه قضية قتلت بحثا ودراسة وتمحيصا، ولكن المفاجئة الرائعة أن المؤلف حينما أطلق على كتابه (رؤية تحليلية ونظرة تصحيحية)، كان صادقا مع نفسه أولا، ومع القارئ ثانيا، وأنه بنظراته الثاقبة وتحليلاته العميقة ومنهجه المحكم واستيعابه للتأريخ الإسلامي بعامة والتأريخ العماني بخاصة، قدم لنا أفكارا جديدة ورؤى مغايرة لما قرأناه سابقا عند بعض المفكرين الكبار والكتاب الجهابذة، أمثال، الدكتور محمد حسين هيكل (ت 1956 ) في (حياة محمد)، والعقاد (1963) في عبقرية محمد، والشيخ محمد أبو زهرة (1974) في خاتم النبيين والشيخ محمد الغزالي (1996) في فقه السيرة، والشيخ محمد سعيد البوطي (قتل 2011 ) في فقه السيرة.
ونحن بصدد عرض مجمل لموضوعات الكتاب، ثم نتوقف نناقش الؤلف في بعض القضايا التي طرحها ونتحاور معه أحيانا، ونشاغبه أحيانا أخرى.

أولا: محاور الكتاب

يتكون الكتاب من مقدمة، وثلاثة عشر موضوعا، وهي مضمون الكتاب، تتناول السيرة النبوية بتفاصيلها الرئيسية منذ الإرهاصات الأولى، حتى غزوة تبوك، مرورا بالميلاد والبعثة والهجرة، وهذه ضمت إحدى عشرة مقالة أما الثاني عشر فكان بحثا مستقلا يدور حول جوانب الرحمة في حياة رسولنا، والثالث عشر مجموعة كلمات دينية قيلت في مناسبات دينية.
1 ـ استهل الشيخ السيابي كتابه بالحديث عن العرب العاربة وهم العرب الخلص، والعرب المستعربة، وهم غير العرب الذين امتزجوا في نسيج العرب وتعلموا لغتهم. ويقسم العرب إلى عرب بائدة، وقد اندثروا في الزمن القديم وعرب باقية وكلهم ينتسبون إلى إسماعيل جد العرب وينقسمون إلى قحطانية وقد سكنوا اليمن السعيد، وعدنانية قطنوا الحجاز، أما عُمان فقد ضمت قبائل من القحطانية والعدنانية.
ثم يتوقف للحديث عن أبي الأنبياء ويشير إلى ولادته في بابل بالعراق، ورفضه عبادة الأصنام، وجداله مع قومه وإلقائه في النار ثم أنقذه اللطف الإلهي، وارتحاله إلى حران في بلاد الشام وزواجه من سارة، ثم تكررت القصة ثانية مع عبدة الكواكب وجداله معهم، ولما لم يجد منهم استجابة لعبادة الله وتجافيا عن تعاليمه، رحل إلى فلسطين وأقام فيه عشر سنوات، إلا أن البلاد أصابها قحط شديد، فولى وجهه إلى مصر، وهناك وقعت القصة المعروفة مع فرعون مصر الذي طمع في الزواج من سارة، ولما تكشفت الحقيقة لفرعون، وهبه الكثير من العطايا والهدايا الثمينة، وأهدى سارة جارية قبطية هي (هاجر).
أما قصة إسماعيل عليه السلام، فبعد أن استقر إبراهيم عليه السلام في فلسطين، وأدركت سارة استحالة الإنجاب وهبت هاجر له فدخل بها فحملت، ولكن تقلبات النفس الإنسانية وأغوارها عجيبة، إذ تفجرت غيرة سارة فعكفت على إيذاء هاجر التي لم تتحمل هذا الجفاء والإيذاء فخرجت هاربة هائمة على وجهها، ولكن الملاك خاطبها أن تعود وبشرها أنها ستلد مولودا ذكرا، وعادت وولدت ابنها إسماعيل عليه السلام، إلا أن سارة طار عقلها، ولم تعد تتحمل وجودها فأمرت إبراهيم أن يطردها، ثم تشاء العناية الإلهية أن تحمل سارة وتضع مولودها إسحاق، إلا أن سارة مضت في طريقها وأصرت على طرد الجارية وابنها، فقام إبراهيم عليه السلام بطردها بعد أن زودها بالطعام والماء، وهامت على وجهها في الصحراء حتى نفد الماء، وأخذ وليدها يبكي، فناداها الملاك وأرشدها إلى بئر ماء، وعاشت في هذا المكان حتى كبر إسماعيل عليه السلام، فاتخذت ؟؟أمه؟؟ له زوجة مصرية.
هذه هي الرواية التي تناقلها المؤرخون المسلمون نقلا عن التوراة مع بعض التعديلات كي يوائموا بين ما ورد فيها وما ساقه القرآن، ورصدها شيخنا ؟؟ببعرها وبجرها؟؟ مع عدم تسليمه بوقائعها.
على أنه توقف عند ذلك وعرض القصة ثانية من وجهة نظره، ومن منظوره الخاص، إذ ذهب إلى أن إبراهيم عليه السلام بعد أن أقام في قومه ودعاهم لعبادة الله الواحد، ثم آذوه ورفضوا الانصياع لأوامره وتوجيهاته، هاجر إلى مكة بأمر من الله وهي هجرته الأولى، ويطرح احتمالين، إما أن يكون قد تزوج هاجر من قومه وهاجر بها إلى مكة، أو يكون تزوجها من عرب الحجاز الذين كانوا يعيشون حول الحرم، وقد عاش فيها فترة طويلة أنجب فيها إسماعيل عليه السلام، ووقعت له الأحداث التي أشار إليها القرآن، وهي الرؤية والذبح والفداء وبناء الكعبة، ثم تزوج إسماعيل وأنجب نسلا صاروا ذرية إبراهيم. ويؤيد وجهة نظره بما ورد في سورة (الصافات الآية 83 ــ 113).
أما الهجرة الثانية، فبعد أن اطمأن إبراهيم عليه السلام، على ابنه إسماعيل وذريته، الذي اشتد عوده وتحمل مسؤولية الرسالة إذ صار نبيا رسولا، عاد أدراجه إلى قومه فوجدهم عاكفين على عبادة الأصنام فظل يعظهم ويجادلهم لعلهم يرعوون ويؤمنون بالإله الواحد، إلا أنهم أغلقوا عقولهم وهموا أن يحرقوه ثانية، فلم يجد بدا من الهجرة ثانية ومعه لوط إلى الأرض المباركة ولعلها بلاد الشام، حيث بشره الله بإسحاق ومن بعده يعقوب. وعول في ذلك على الآيات الواردة في سورة (الأنبياء 51 ـ72).
على أنه يرفض أن تكون هاجر أمة مصرية أهدتها سارة لزوجها إبراهيم عليه السلام، لأن هذه القصة تفوح منها رائحة العنصرية، والقصد منها الاستنقاص من العرب. وقد تكاثر نسل إسماعيل عليه السلام وتفرقوا في جزيرة العرب ومنهم القحطانية والعدنانية وهما أبا العرب العاربة، وقبل أن يختم هذا الفصل يجيب عن سؤال، لماذا تقدم ذكر إسحاق على إسماعيل في القرآن المكي، وتقدم إسماعيل عليه السلام عليه في المدني؟، وأجاب: لما كانت العرب ولا سيما قريش تعتد اعتدادا مبالغا فيه بنسبها لإسماعيل عليه السلام، فأراد القرآن أن يخفف من هذا الغلو ويكبح جماح هذه النزعة العنصرية. أما وانتقل العرب إلى المدينة وكان اليهود معتدين بالانتساب لإسحاق إلى حد الاستعلاء العنصري، والادعاء أنهم أبناء الله وشعبه المختار، فأراد الله أن يتحداهم ويبين لهم أنهم ليسوا بأفضل نسبا من العرب، إذ أن الكل تعود جذوره إلى إبراهيم أبي الأنبياء. (ص 13 ـ 28).