Powered By Blogger

الخميس، 5 ديسمبر 2013

كتاب الاستبداد مظاهره ومواجهته «2»


كتاب الاستبداد مظاهره ومواجهته «2»

د: محمد عبدالرحيم الزيني -
أستاذ الفلسفة الإسلامية -
يواصل الدكتور: محمد عبدالرحيم الزيني أستاذ الفلسفة الإسلامية  عرضه لـكتاب سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العالم للسلطنة (الاستبداد مظاهره ومواجهته)  قائلا: ويتابع شيخنا الخليلي شرح خصائص حكم معاوية، الذي قام على الأثرة وتفضيل الأسرة الأموية على باقي الطبقات الاجتماعية، ويناقش آراء العلماء بإسهاب حول  حديث الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ لعمار «: تقتلك الفئة الباغية « ويسجل وجهة نظر عشرات العلماء صحة الحديث، كي يخلص في نهاية عرضه أن الإمام الشرعي هو عليّ بن أبي طالب، وأن معاوية تمرد عليه.
ثم يتعرض لدور معاوية في تشويه صورة الإمام عليّ من خلال لعنه على المنابر، وحمل المسلمين عنوة على ذلك وقيام عمال الدولة الأموية وخدام النظام بقتل كل من يعارض ذلك ويأبى لعن الإمام ويورد أمثلة عديدة تند عن الحصر للقتلى الذين ضحوا بحياتهم في سبيل التمسك بالإسلام وعدم الطعن في الإمام الشرعي، ومن المعلوم أن مسألة لعن الإمام علي ظلت طوال عهد الأمويين سواء في الفترة السفيانية أو الفترة المروانية  ( 40 ـ 132 هـ) باستثناء فترة عمر بن عبدالعزيز  التي لم تتجاوز العامين (99 ـ 101 هـ).
ولا شك أن هذه الفعلة الشنعاء وتعد من الأخطاء  الأخلاقية الجسيمة التي تضاف إلى سلبيات الأمويين.
ويشير شيخنا إلى موقف ابن تيمية (728هـ) الذي يسوي فيه بين موقف الإمام علي الذي كان يقاتل امتثالا لأمر الله، وحديث الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ عن الفئة الباغية، ومعاوية الذي خرج عليه وكان يقاتل من أجل العلو في الأرض والمصالح الدنيوية. ولم يكتف معاوية بانحرافه عن النهج السوي، بل زاد الطين بلة، أن قرر تولية يزيد خلافة المسلمين.
ثم مضى في خطته واستخلف ابنه وحمل المسلمين بالترغيب والترهيب على مبايعته بقوة السيف وذهب المعز، وقام ولاته في الأمصار بتسخير المساجد ومعهم بعض علماء الدين لأخذ البيعة له، على الرغم من معارضة كبار الصحابة. وفي الوقت نفسه تحسين صورته، أمام الرأي العام، وقد اتسمت ولايته بسفك دماء المسلمين وزهرة شبابهم، فأولا لم يوافق الحسين بن علي  أن يبايع يزيدا فأرسل له جيشا جرارا بقيادة زياد بن أبيه فقتل زهرة شباب الأمة وريحانة الرسول، وثانيا عندما عارض كبار الصحابة في المدينة ورفضوا مبايعته أرسل لهم مسلم بن عقبة بجيش جرار فدمر المدينة على رؤوس من فيها وقتل كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار في موقعة «الحرة وثالثا: تقدم  مسلم بن عقبة لقتال  عبدالله بن الزبير الذي رفض المبايعة وثار ثورة عنيفة في مكة وأسس له دولة مستقلة، إلا أن الموت طواه في الطريق ورحم الله المسلمين من جبروته، ثم توالت الأخبار عن موت يزيد نفسه فلم يقتحم الجيش مكة.
ويجمل الحسن البصري ( 110هـ) أهم المساوئ التي اقترفها معاوية، فيقول ـ أخذ الخلافة بالسيف من غير مشاورة، وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضيلة.
وبهلاك يزيد، لم يتوان شيوخ البيت الأموي من الانقضاض على الحكم بعد أن ظهر لهم منافس قوي في شخص عبدالله بن الزبير، فوثب مروان بن الحكم على الحكم، وبعد سلسلة من الحروب الشرسة وسفك دماء المسلمين، وتدمير مبادئ الإسلام، وطد الحكم لابنه عبدالملك، الذي يعد المؤسس الحقيقي للدولة الأموية. وقد مضى في سياسة العنف والقوة وقمع المعارضين بشراسة تنبو عن مبادئ الأخلاق، وشرح منهجه الجديد من خلال خطبة عنيفة تفوق خطب زياد بن أبيه والحجاج، وشرح أبعاد سياسته؛ بقوله: إنه ليس بالخليفة الضعيف، ولا بالخليفة المداهن، ولا الخليفة المأفون، وأنه سيداوي جراح الأمة بالسيف، وإذا أمره أحد بتقوى الله فسيضرب عنقه.
وتطبيقا لهذا المنهج  العدواني  عين الحجاج (  ت93هـ) واليا على بلاد الحجاز ثم العراق فأثار الرعب والذعر في النفوس، فوطد له أركان الدولة، وشتت شمل الثائرين عليه من الإباضية والخوارج ومن يفكرـ حتى التفكير ـ في التمرد على سلطته، وقمع الخارجين على حكمه بالحديد والنار، وسفك دماء المسلمين الأبرياء الأتقياء، حتى زعم المسلمون؛ أن الحجاج بلاء صبه الله على أهل العراق.
وحينما تولى الخلافة عمر بن عبدالعزيز، والذي عد بشهادة جميع المؤرخين؛ خامس الخلفاء الراشدين، نشر العدل، ورفع الظلم عن  الموالي، وأسقط الجزية عنهم بعد أن دخلوا  الإسلام، وأنصف أهل البيت وأوقف سب الإمام علي بن أبي طالب  على المنابر،  وضمد جراح المسلمين جراء العديد من المظالم التي لحقت  بهم في عهد أسلافه، وأعاد الخلافة إلى سيرتها العطرة الأولى.(ص 16 : 75) ولعل عبارة ابن طباطبا تصور سمات الدولتين أحسن تصوير وأبلغه، فيقول :»أما خلافة الأربعة الأول فإنها كانت أشبه بالرتب الدينية من الرتب الدنيوية أو هي بالنبوات والأمور الأخروية أشبه في جميع الأشياء، كان أحدهم يلبس الثوب من الكرباس الغليظ، وفي رجله نعلان  من ليف، وحمائل سيفه من ليف، ويمشي في الأسواق كبعض الرعية، وإذا كلم أدنى الرعية أسمعه أغلظ من كلامه، وكانوا يعدون هذا من الدين الذي بعث به النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ؛ أما خلافة بني أمية فكانت قد عظمت وتفخم أمرها وعرضت مملكتها ولكن طاعتهم لم تكن كطاعة هؤلاء. ثم ينتقل المؤلف إلى عرض فتاوى بعض العلماء الذين يتدثرون بثوب العلم  والحكمة، وتأييدهم جور الحكام الظالمين وتسويغهم الفساد، إذ أحضر يزيد بن عبدالملك، أربعين شيخا شهدوا له ما على الخلفاء حساب ولا عقاب. ويناقش هذه الفرية مناقشة طويلة، ويدحضها بالدليل النقلي والعقلي، وبشهادة جمهرة واسعة من العلماء، ومنهم ابن تيمية. ومن المعلوم تاريخيا أن الدولة الأموية ساعدت على نشر فكرة الخبرية التي تقرر أن الإنسان ريشة في مهب الريح ليس له إرادة ولا سلطان على أفعاله، وأن ما وقع لا فكاك منه، وأن استيلاءهم على السلطة بقدر من الله ولا أحد يستطيع أن يغير قدر الله، علاوة على ترويجهم مسألة الإرجاء، ووظفت هذه الأفكار المنحرفة لتثبيت أركان الدولة وإطالة عمرها وتثبيط همم الثائرين عليهم. وقد أفضت هذه الفتاوى  البرجماتية، إلى نتائج مأساوية في تاريخ الفكر العقدي  الإسلامي، وقد أجملها شيخنا الجليل  في الآتي:
أ ــ إضفاء الشرعية على السلطة الحاكمة المأخوذة عنوة، وبحد السيف.
ب ــ تجريم الثورة عليهم وتحريم التمرد على سياستهم  ودفع ظلمهم وأخذ الحق منهم، معولين على قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). ويناقش هذه القضية مناقشة مستفيضة مع الاستشهاد برأي العلماء القدامى والمعاصرين كي يبرهن أنهم بسياستهم  المستبدة لم يكن لهم طاعة ولا بيعة عند المسلمين.
ج ــ رد الروايات الصحيحة التي تتعارض مع سياستهم ومنهجهم.
د ـ إسقاط حرمات دماء المسلمين في سبيل تثبيت أركان سلطتهم وتعزيز حكمهم. هـ ـ إباحة الكثير من المحرمات لذوي السلطة وقد  نهى عنها الشرع نهيا جازما، وقد أشار إلى لبس الذهب واستخدام الحرير والحياة الرغدة.. (87 ـ 129 )

وقفة – كتاب الاستبداد مظاهره ومواجهته (1)


د: محمد عبدالرحيم الزيني – أستاذ الفلسفة الإسلامية بمعهد العلوم الشرعية -
صدر مؤخرا  كتاب الاستبداد لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، وقد استقبلته الأوساط العلمية بالقبول والتقدير والثناء، وقرظه جمهرة من المفكرين، إذ يتناول قضايا حيوية مصيرية مطروحة للنقاش منذ مطلع اليقظة العربية  في القرن الثامن عشر على يد رفاعة الطهطاوي «ت 1873»، وجمال الدين الأفغاني « ت 1897» وقيام كثير من قادة الفكر وزعماء الإصلاح ورواد الوعي الإسلامي بتناول هذه القضية  بالدراسة والتحليل والنقاش، علاوة على أن هذه القضية لها جذور عميقة تمتد إلى أعماق التراث الإنساني في الفلسفة اليونانية عند أفلاطون ( 374 ق. م )، وأرسطو ( 322ق .م)،وكذلك الفكر الإسلامي، عند الفرق الإسلامية التي تناولته تحت مبحث «قضية الإمامة  «أي رئاسة الدنيا والدين، وكان للشيعة والإباضية والمعتزلة والأشعرية مساهمات عميقة ورؤى متباينة،تعددت حسب منطلقات كل فرقة،ومرجعيتها العلمية وموقفها من الصراع السياسي،علاوة على المساهمات الثرية التي طرحها علماء الفقه السياسي مثل أبي الحسن الماوردي (440هـ) في كتابه الأحكام السلطانية .
صدر كتاب شيخنا يبحر في هذه البحار العاصفة، يعود إلى كتب التراث يستجلي مضامينها،ويعاود القراءة في كتب المعاصرين للتعرف على وجهة نظرهم في «قضية الاستبداد «؛ما الدوافع إليه، ولماذا يجنح الحكام إليه، وما مظاهره وعلاماته ؟ وأين نجد محطاته في تأريخ الدولة العربية الإسلامية ؟ وما موقف العلماء القدامى منه وكذلك المعاصرون؟ وما السبيل إلى مواجهته وصده والدفاع عن كرامة الشعوب في مواجهة المظالم التي سحقت عظامهم، وأفضت إلى تأخر الحضارة الإسلامية عن ركب الحضارات؟ ويدلي بدلوه باحثا عن الحقيقة طالبا شواهد الحق والإنصاف. ويجمل بنا أن نلقي نظرة شاملة على محتويات الكتاب،ثم نسجل بعض الانطباعات التي خرجنا بها  .
أولا :  محتويات الكتاب :
يتكون الكتاب من مقدمة وقسمين كبيرين؛ وهما واسطة العقد والعمود الفقري للكتاب، وخاتمة،علاوة على المراجع .
1 ـ المقدمة :
يطرح شيخنا خلاصة رؤيته فيما أطلق عليه  «الربيع العربي « أي الثورات العربية التي تفجرت على الأرض العربية بقيادة الجماهير الواعية التي عبرت عن سخطها في مواجهة الظلم الذي حاق بها والاستبداد الذي كدر حياتها وعبرت عن أملها في العيش الكريم في أجواء العدل والحرية وأظهرت بلا جدال جوعها العاطفي للحرية بكل معانيها؛ حرية الاعتقاد والعمل، وحرية القول والتعبير عن الرأي والإعلان  عنه .
ويتعجب عجبا شديدا من  ظاهرة الفتاوى  الجاهزة التي سارع بعض علماء الدين بإعلانها دون تدبر أو تفكر، وأطلقوها دون بصيرة من كتاب ولا اهتداء بسنة، والتي سفهت خروج الجماهير على حكامها، وتحرم عليهم حتى الاحتجاج السلمي  والتعبير عن رأيهم وإظهار تململهم من المظالم التي هوت على أُم رؤوسهم، وفي الوقت نفسه سوغت القهر وبررت الاستبداد، والأعجب من ذلك أن هؤلاء النفر هم الذين أزروا بالفرق الإسلامية التي ناوأت الظلمة قديما، وكالوا لهم الذم كيلا، وحطوا من شأن ثوار التأريخ الذين ثاروا على الحكام المستبدين وبخاصة في  العهود التي تلت الخلافة الراشدة .
ومع هذا فإن الثورات العربية لم تعدم جمهرة من العلماء الورعين الذين لم يخشوا في الله لومة لائم وعضدوا الجماهير، وساندوهم بفتاواهم وناصروهم في مطالبهم لأن حقيقة الإسلام هي احترام إنسانية الإنسان .( ص 5: 8 )
2 ـ القسم الأول : مظاهر الاستبداد .
عاد شيخنا إلى صفحات التأريخ القديم،ينظر في أحوال الأمم القديمة، يتابع ظاهرة الاستبداد في المجتمعات القديمة، ويرصد علامات الظلم  ونزوات المتكبرين واستعلاء الفراعنة وطغيان الأباطرة، لكن الأنكى من ذلك هو قيام  الكهنة والقيادات الدينية في تلك الحضارات بترويج المظالم وتبرير أفعالهم، ودعوة الشعوب إلى قبول أفعال ملوكهم وتصرفاتهم مهما كان من نشوزها وخروجها عن حدود منطق العقل، وطبيعة الفطرة الإنسانية  السليمة؛ ويشير إلى ثلاثة نماذج من الظلم القاهر والاستبداد الممجوج، وصل إلى درجة ادعاء الألوهية في الحضارات القديمة، وهم، الفراعنة، والرومان و الفرس .(9: 15 )
ــ وبمجيء الإسلام وشروق أنواره على العالم أجمع، وتجلي أخلاقه السامية في سلوك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؛ هدم كل هذه الأفكار الخاطئة والمفاهيم المرذولة، والمناهج المنحرفة، وأزال كم الخرافات التي عشعشت في عقول البشر عن الانصياع للحكام الآلهة، جاءت تعاليم الإسلام ومبادئه القويمة تعلي من شأن الإنسان أينما كان، وحيثما حل، وأن الجميع من آدم ؛ وآدم من تراب ولا تفاضل بين الناس أمام الله إلا بالتقوى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وضع الإسلام مبادئ  الشورى وأثنى على المسلمين بأن أمرهم شورى بينهم،حيث يتم تمحيص الفكرة وتقليبها على وجوهها واستخلاص زبدتها، نظرا لأهمية العقل الجمعي وقدرته على الوصول إلى الحلول السليمة والأفكار المبتكرة والرأي السديد، ومن جهة ثالثة، وضع شروطا محددة «للعقد الاجتماعي» بين الحاكم والمحكوم ؛ «وعلى كلا الطرفين الالتزام بما تحمله، والخضوع والانقياد للشرع من غير أن يتطاول الحاكم على المحكوم، أو يذل المحكوم للحاكم، وعلى كل من يتولى الحكم أن ينصف الجميع» (ص 16 ) وكل إنسان عليه معرفة واجباته تجاه الآخر حتى تمخر سفينة الحكم في بحر الإيمان  والسلام.  ويضرب شيخنا نماذج مشرفة ومتفردة من دولة الرسول صلى الله عليه وسلم، في تطبيق قواعد الإسلام ومبادئه القويمة فضلا عن أن حياته كانت نموذجا للإنسان الأعلى، وتطبيقا حيا لكمال الأخلاق، وكان قرآنا يمشي على الأرض؛ فحرر الإنسان من أغلال الجاهلية ونير الاستعباد وجور سادة قريش، وبالجملة أقام أركان دولة العدل الاجتماعي وأرسى قواعد الحكم  الشوري. وهكذا سار الخلفاء الراشدون على النهج المستقيم من بعده، إذ كانوا حريصين أشد الحرص على الاقتداء بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وتطبيق مبادئ الإسلام في كافة نواحيه لاسيما فيما يتعلق بالجانب السياسي والعدل الاجتماعي والمحافظة على كرامة الإنسان، كما وردت في مقررات الإسلام .
ولكن هذه الصفحة الباهرة من تاريخ دولة الإسلام طويت باعتلاء معاوية سدة الحكم،وانتزاعه الخلافة من الإمام علي، بالحرب المسلحة ووسائل الخداع الماكرة .
،ثم عمد إلى الاستئثار بالحكم والاستحواذ على المال، وسيطر على مفاصل  الدولة، وسار سيرة مغايرة تماما لمنهج الخلفاء الراشدين؛ فحول الخلافة من نظام الشورى إلى نظام استبدادي  وملك عضوض، وقد تناقلت أدبيات الكتب العربية خطبه المتكررة وكلها تؤكد سلطانه على المسلمين يقول: «ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا وقد عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون  «.