Powered By Blogger

الخميس، 5 ديسمبر 2013

وقفة – كتاب الاستبداد مظاهره ومواجهته (1)


د: محمد عبدالرحيم الزيني – أستاذ الفلسفة الإسلامية بمعهد العلوم الشرعية -
صدر مؤخرا  كتاب الاستبداد لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، وقد استقبلته الأوساط العلمية بالقبول والتقدير والثناء، وقرظه جمهرة من المفكرين، إذ يتناول قضايا حيوية مصيرية مطروحة للنقاش منذ مطلع اليقظة العربية  في القرن الثامن عشر على يد رفاعة الطهطاوي «ت 1873»، وجمال الدين الأفغاني « ت 1897» وقيام كثير من قادة الفكر وزعماء الإصلاح ورواد الوعي الإسلامي بتناول هذه القضية  بالدراسة والتحليل والنقاش، علاوة على أن هذه القضية لها جذور عميقة تمتد إلى أعماق التراث الإنساني في الفلسفة اليونانية عند أفلاطون ( 374 ق. م )، وأرسطو ( 322ق .م)،وكذلك الفكر الإسلامي، عند الفرق الإسلامية التي تناولته تحت مبحث «قضية الإمامة  «أي رئاسة الدنيا والدين، وكان للشيعة والإباضية والمعتزلة والأشعرية مساهمات عميقة ورؤى متباينة،تعددت حسب منطلقات كل فرقة،ومرجعيتها العلمية وموقفها من الصراع السياسي،علاوة على المساهمات الثرية التي طرحها علماء الفقه السياسي مثل أبي الحسن الماوردي (440هـ) في كتابه الأحكام السلطانية .
صدر كتاب شيخنا يبحر في هذه البحار العاصفة، يعود إلى كتب التراث يستجلي مضامينها،ويعاود القراءة في كتب المعاصرين للتعرف على وجهة نظرهم في «قضية الاستبداد «؛ما الدوافع إليه، ولماذا يجنح الحكام إليه، وما مظاهره وعلاماته ؟ وأين نجد محطاته في تأريخ الدولة العربية الإسلامية ؟ وما موقف العلماء القدامى منه وكذلك المعاصرون؟ وما السبيل إلى مواجهته وصده والدفاع عن كرامة الشعوب في مواجهة المظالم التي سحقت عظامهم، وأفضت إلى تأخر الحضارة الإسلامية عن ركب الحضارات؟ ويدلي بدلوه باحثا عن الحقيقة طالبا شواهد الحق والإنصاف. ويجمل بنا أن نلقي نظرة شاملة على محتويات الكتاب،ثم نسجل بعض الانطباعات التي خرجنا بها  .
أولا :  محتويات الكتاب :
يتكون الكتاب من مقدمة وقسمين كبيرين؛ وهما واسطة العقد والعمود الفقري للكتاب، وخاتمة،علاوة على المراجع .
1 ـ المقدمة :
يطرح شيخنا خلاصة رؤيته فيما أطلق عليه  «الربيع العربي « أي الثورات العربية التي تفجرت على الأرض العربية بقيادة الجماهير الواعية التي عبرت عن سخطها في مواجهة الظلم الذي حاق بها والاستبداد الذي كدر حياتها وعبرت عن أملها في العيش الكريم في أجواء العدل والحرية وأظهرت بلا جدال جوعها العاطفي للحرية بكل معانيها؛ حرية الاعتقاد والعمل، وحرية القول والتعبير عن الرأي والإعلان  عنه .
ويتعجب عجبا شديدا من  ظاهرة الفتاوى  الجاهزة التي سارع بعض علماء الدين بإعلانها دون تدبر أو تفكر، وأطلقوها دون بصيرة من كتاب ولا اهتداء بسنة، والتي سفهت خروج الجماهير على حكامها، وتحرم عليهم حتى الاحتجاج السلمي  والتعبير عن رأيهم وإظهار تململهم من المظالم التي هوت على أُم رؤوسهم، وفي الوقت نفسه سوغت القهر وبررت الاستبداد، والأعجب من ذلك أن هؤلاء النفر هم الذين أزروا بالفرق الإسلامية التي ناوأت الظلمة قديما، وكالوا لهم الذم كيلا، وحطوا من شأن ثوار التأريخ الذين ثاروا على الحكام المستبدين وبخاصة في  العهود التي تلت الخلافة الراشدة .
ومع هذا فإن الثورات العربية لم تعدم جمهرة من العلماء الورعين الذين لم يخشوا في الله لومة لائم وعضدوا الجماهير، وساندوهم بفتاواهم وناصروهم في مطالبهم لأن حقيقة الإسلام هي احترام إنسانية الإنسان .( ص 5: 8 )
2 ـ القسم الأول : مظاهر الاستبداد .
عاد شيخنا إلى صفحات التأريخ القديم،ينظر في أحوال الأمم القديمة، يتابع ظاهرة الاستبداد في المجتمعات القديمة، ويرصد علامات الظلم  ونزوات المتكبرين واستعلاء الفراعنة وطغيان الأباطرة، لكن الأنكى من ذلك هو قيام  الكهنة والقيادات الدينية في تلك الحضارات بترويج المظالم وتبرير أفعالهم، ودعوة الشعوب إلى قبول أفعال ملوكهم وتصرفاتهم مهما كان من نشوزها وخروجها عن حدود منطق العقل، وطبيعة الفطرة الإنسانية  السليمة؛ ويشير إلى ثلاثة نماذج من الظلم القاهر والاستبداد الممجوج، وصل إلى درجة ادعاء الألوهية في الحضارات القديمة، وهم، الفراعنة، والرومان و الفرس .(9: 15 )
ــ وبمجيء الإسلام وشروق أنواره على العالم أجمع، وتجلي أخلاقه السامية في سلوك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؛ هدم كل هذه الأفكار الخاطئة والمفاهيم المرذولة، والمناهج المنحرفة، وأزال كم الخرافات التي عشعشت في عقول البشر عن الانصياع للحكام الآلهة، جاءت تعاليم الإسلام ومبادئه القويمة تعلي من شأن الإنسان أينما كان، وحيثما حل، وأن الجميع من آدم ؛ وآدم من تراب ولا تفاضل بين الناس أمام الله إلا بالتقوى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وضع الإسلام مبادئ  الشورى وأثنى على المسلمين بأن أمرهم شورى بينهم،حيث يتم تمحيص الفكرة وتقليبها على وجوهها واستخلاص زبدتها، نظرا لأهمية العقل الجمعي وقدرته على الوصول إلى الحلول السليمة والأفكار المبتكرة والرأي السديد، ومن جهة ثالثة، وضع شروطا محددة «للعقد الاجتماعي» بين الحاكم والمحكوم ؛ «وعلى كلا الطرفين الالتزام بما تحمله، والخضوع والانقياد للشرع من غير أن يتطاول الحاكم على المحكوم، أو يذل المحكوم للحاكم، وعلى كل من يتولى الحكم أن ينصف الجميع» (ص 16 ) وكل إنسان عليه معرفة واجباته تجاه الآخر حتى تمخر سفينة الحكم في بحر الإيمان  والسلام.  ويضرب شيخنا نماذج مشرفة ومتفردة من دولة الرسول صلى الله عليه وسلم، في تطبيق قواعد الإسلام ومبادئه القويمة فضلا عن أن حياته كانت نموذجا للإنسان الأعلى، وتطبيقا حيا لكمال الأخلاق، وكان قرآنا يمشي على الأرض؛ فحرر الإنسان من أغلال الجاهلية ونير الاستعباد وجور سادة قريش، وبالجملة أقام أركان دولة العدل الاجتماعي وأرسى قواعد الحكم  الشوري. وهكذا سار الخلفاء الراشدون على النهج المستقيم من بعده، إذ كانوا حريصين أشد الحرص على الاقتداء بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وتطبيق مبادئ الإسلام في كافة نواحيه لاسيما فيما يتعلق بالجانب السياسي والعدل الاجتماعي والمحافظة على كرامة الإنسان، كما وردت في مقررات الإسلام .
ولكن هذه الصفحة الباهرة من تاريخ دولة الإسلام طويت باعتلاء معاوية سدة الحكم،وانتزاعه الخلافة من الإمام علي، بالحرب المسلحة ووسائل الخداع الماكرة .
،ثم عمد إلى الاستئثار بالحكم والاستحواذ على المال، وسيطر على مفاصل  الدولة، وسار سيرة مغايرة تماما لمنهج الخلفاء الراشدين؛ فحول الخلافة من نظام الشورى إلى نظام استبدادي  وملك عضوض، وقد تناقلت أدبيات الكتب العربية خطبه المتكررة وكلها تؤكد سلطانه على المسلمين يقول: «ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا وقد عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون  «.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق