Powered By Blogger

الجمعة، 17 يناير 2014

معالم السيرة النبوية 2

يواصل الدكتور محمد عبد الرحيم الزيني  أستاذ الفلسفة الإسلامية قراءته لكتاب “معالم السيرة النبوية” تأليف سعادة الشيخ: أحمد بن سعود السيابي  الذي صدر منذ فترة قليلة.  قائلا: ان المؤلف استهل حديثه عن مولد الرسول  صلى الله عليه وسلم  بالحديث عن أهمية الاحتفال وضرورته مع الإشارة الى موقف بعض العلماء بعدم إجازة الاحتفال بمولده، نظرا لما كان يشوب هذه الاحتفالات من طقوس مرفوضة وممارسات دخيلة على الإسلام مثل التي ابتدعها الفاطميون في مصر ، وفي آخر دولة اليعاربة طرحت القضية للنقاش ،وقد وضع شاعر عمان أبو مسلم البهلاني كتاب النشأة المحمدية للتعويل عليه في الاحتفال بذكرى الحبيب المصطفى .
ـ تحدث المؤلف عن تأريخ مولد الرسول، وما صاحب ذلك من تهيئة الأذهان بانبلاج فجر جديد للبشرية والإرهاصات التي مهدت التربة لظهور نبت جديد وقد لخصها في عدة نقاط أهمها:
أ ــ مجيء إبراهيم  عليه السلام إلى مكة ومعه هاجر ،ثم بناؤه الكعبة مع ابنه إسماعيل  عليه السلام، ودعوته الكريمة إلى أن يبسط الله الرزق والثمرات لهذه البلاد الآمنة ،وتقديس العرب لهذا البيت العتيق  .
ب ــ  وحدة اللغة ،لاغرو أن وحدة اللغة من العوامل المجمعة في المجتمع ،وقد ساعدت اللغة العربية في  وحدة العرب وتماسكهم وسهولة التفاهم بينهم في كافة أنحاء الجزيرة العربية ،فضلا عن أشعارهم ومعلقاتهم التي قوت أواصر المودة وحسن الجوار ووحدة الفكر  . ج ـ هزيمة حملة أبرهة الحبشي على مكة المكرمة واندحار جيشه بمعجزة  إلهية ،تمثلت في الطير الأبابيل ،التي ألقت عليهم الحجارة ففرقت جيشهم وشتت شملهم ،ومزقت أجسامهم .
د ــ عصمة الرسول ، فقد أعده الله  على عينه لتحمل عناء الرسالة وتكاليفها ، وحفظه من كل شر وسوء ،ورباه على كرائم الأخلاق  وصفات الكمال ،وأصبح نموذجا للإنسان الكامل . (63ـ 91 )
4 ـ  ينتقل المؤلف إلى الحديث عن البعثة المحمدية، وإلقاء الضوء على محطات سريعة في حياة الرسول، والإشارة إلى بعض المواقف التي  تعد إرهاصا لانبلاج النور، وفي الوقت نفسه تهيئة نفسية محمد  صلى الله عليه وسلم  لاستقبال الرسالة الخالدة ،وقد تمثل ذلك في اليتم الذي أصيب به في طفولته ، ثم اشتغاله برعي الغنم وهي مهنة تحتاج إلى  قدر كبير من الصبر والجلد ، والتأمل فيما حوله من الفضاء الواسع والهدوء الذي يشمل المكان ،ومع نضجه الجسمي بدأ يشارك في رحلات التجارة ومنها عمله في تجارة السيدة خديجة ،وقد تجلت صفات الأمانة ،والصدق في القول، ورقة الجانب والدماثة  في التعامل جلية لمن حوله ومن تعامل معه ،ثم توج ذلك بزواجه بالسيدة خديجة حيث وجد العش الهادئ والحنان الدافق  ونعم السند والمعين ، وحينما قامت قريش ببناء الكعبة ،اختلفوا فيمن يكون له شرف وضع الحجر الأسود ،وطبيعة المجتمع قائمة على الفخر والتفاخر ،وكادوا أن  يقتتلوا لولا أنهم اتفقوا أن  يحكموا أول رجل يدخل عليهم ،ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم  هو الطالع فقد استبشروا بمقدمه وصاحوا هذا الأمين. وقد حل المشكلة حلا عقلانيا يدل على رَجاحة العقل وبُعد النظر . كذلك من الوقائع التي حضرها محمد وشارك فيها وكانت تهيئة لنفسه وبناء تفكيره ؛مشاركته في حلف الفضول مشاركة إيجابية ،إذ اتفقت قريش على مناصرة المظلوم والانتصاف من ظالمه ورد الحق له ،وبعد بعثته كان يذكره دوما ،ومن المعلوم أن محمدا صلى الله عليه وسلم  كان رجلا أميا لا يقرأ ولا يكتب وهذه إحدى المعجزات ،وقد تواترت الأخبار بذلك فضلا عن الآيات القرآنية التي أكدت ذلك وليس بعد القرآن دليل ، ومن صفاته السامية نفوره من عبادة الأصنام ،وحبه للعزلة والانفراد بنفسه للتأمل في ملكوت السموات والأرض ،وإدراكه للرؤى التي كانت تأخذ بمجامع قلبه وتتكشف في الواقع  ،وتمده بإحساس صادق أنه مهيأ لرسالة كبرى سينهض  بأعبائها وأن الأقدار تعده لمهام جليلة داخل هذا الكون ،ولم تكذب أحاسيسه ونداؤه الباطني ،ففي إحدى مرات تعبده جاء الوحي ،وطلب منه أن يقرأ ،وقرأ عليه (اقرأ باسم ربك الأكرم  ) ،وعاد إلى خديجة يروي لها هذه الواقعة الكونية ،فطيبت خاطره وهدأت من روعه وبشرته بالرسالة   ،ثم أخذته لابن عمها ورقة بن نوفل تستفسر منه عن ذلك فبشرها بنبوة محمد . وكانت خديجة أول من آمن بالرسول ،ومعها علي بن أبي طالب الذي كان يعيش في كفالته ،ثم صديقه الأثير أبو بكر ،الذي أقنع بعض وجهاء قريش بالدخول في الإسلام ،ومنهم عثمان بن عفان ،وبدأت شجرة أنصار الدين الجديد تورق وتينع وتزهر وتثمر الثمار الناضجة . ثم حانت لحظة الإعلان التي انتظرها التأريخ الديني ،فجهر بالدعوة في وسط قبيلته وعشيرته الأقربين ،وبدأت مرحلة الصراع بين الحق والباطل والخير والشر والمؤمنين والكفار ، وهذه هي جدلية الحياة وسمة من سماتها الرئيسة .وبعد أن  اشتد بطش قريش بالرسول وأصحابه الذين كانوا يجتمعون في دار الأرقم ،وزاد عسفها ،وقدمت الدعوة الجديدة أولى شهدائها من آل ياسر ،لم يجد مفرا من توجيه أصحابه إلى الهجرة إلى الحبشة ،بسبب التواصل التجاري بينهما فضلا عن أن النجاشي  من أهل الكتاب ،وعلى الرغم من محاولة قريش استرداد هؤلاء المؤمنين إلا أن النجاشي أفشل محاولتهم التي قام بها عمرو بن العاص ، ولم تهدأ ثائرة قريش التي قررت محاصرة بني هاشم فوضعوا صحيفة يتعهدون فيها بمقاطعتهم  . ثم توالت المحن على الرسول بموت عمه أبي طالب الذي كان يحميه من بطش قريش ،ووفاة زوجته خديجة المؤنسة له في وحدته والسند النفسي الذي يشد من عضده ،حتى سمي هذا بعام الحزن ، استجمع الرسول صلى الله عليه وسلم  أشتات نفسه الحزينة ،وقرر مواجهة الصعاب ،إذ كان مؤمنا إيمانا صادقا أن الله ناصره ،وهكذا عانى الأنبياء قبله من عنت أقوامهم وظلمهم ومكرهم ،فتوجه إلى  الطائف يدعوهم إلى  كتاب الله ونبذ عبادة الأصنام ،ولكن مردود الرحلة كان محزنا ،لأن سفهاء القوم آذوه وسخروا منه ،فتركهم وولى وجهه إلى  صاحب الملكوت يشكو له ظلم الإنسان لأخيه الإنسان الذي جاء يخرجهم من الظلمات إلى النور .( ص94 ـ 118 ).
5 ــ بعد أن توالت الأحزان على الرسول  صلى الله عليه وسلم  ، من موت أحبائه وتعنت رؤساء قريش ،ونفورهم من الإيمان بالله ،كانت حادثة الإسراء والمعراج تسرية عن همومه  الإنسانية وبلسما لجروحه النفسية ،وإبلاغه أن العناية الإلهية ترعاه ولم تتخل عنه ،وإعطاءه دفعة  روحانية ،و كانت هذه الرحلة تكريما له وإعلاء من شأنه ،إذ أسري بالرسول بالجسد والروح والعقل واليقظة ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وصلى بالأنبياء ؛ودلالة ذلك تؤكد أن الإسلام مكمل لما قبله من الديانات السماوية ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى ،تظهر مكانة  بيت المقدس وأهميته للمسلمين ،ثم عرج به إلى السموات العلى  .  ورأى المشاهد التي تقرر جزاء الإحسان ومنقلب الكفار .
( ص 122 ـ 131 )
6 ـ في حديثه عن الهجرة النبوية يتحدث المؤلف عن مفهومها في عقول المسلمين ووجدانهم ؛وتعني هجرة المجتمع الوثني الذي رفض الهداية النبوية ،والانتقال إلى الحياة الجديدة المزينة بالإيمان وتأسيس مجتمع جديد يقوم على الشورى والعدالة الاجتماعية ،وتكافؤ الفرص والمساواة العادلة القائمة على الكفاءة وبذل الجهد وعظمة  المواهب .وقد اختار الرسول  صلى الله عليه وسلم  المدينة لأسباب جوهرية أهمها : وجود قبيلتي الأوس والخزرج وهما قبيلتان أّزديتان قحطانيتان ،في حين أن سكان مكة وما حولها كانوا من العدنانيين الذين ينظرون إلى قريش نظرة تقديسية ،هذه نقطة ،والثانية :أن المدينة كانت تتميز بالزراعة و مكتفية بإنتاجها الغذائي ،والثالثة أنها تمتاز بموقع ممتاز حصين  يساعدها في صد الأعداء .والرابعة :أنهم بايعوا الرسول  صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة ،واعتنقوا الإسلام ،وأصبحوا نسيجا من الدعوة الفتية .
ولاشك أن خلع الرسول  صلى الله عليه وسلم  اسم المدينة على يثرب ،له دلالته التي تنبئ أنها مقر الدولة الموعودة والحكومة الجديدة بكل مؤسساتها السياسية والاقتصادية والعقلية ؛أي بداية للإسلام الحضاري ،وظهرت تجليات ذلك في توحيد النسيج الاجتماعي في المدينة عن طريق المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ولأهمية الهجرة التي تعد فتحا لانطلاق الإسلام إلى الآفاق علينا أن لا نهمل هذا التأريخ ونعيد له اعتباره في التقويم  السنوي .وقبل أن يختم حديثه عن الهجرة يشير إلى دستور المدينة ،أي المعاهدة التي عقدها الرسول  صلى الله عليه وسلم مع اليهود وعاهدهم على التسامح وترك لهم الحرية الدينية كاملة، ووضع لهم قواعد ومواد تشبه دساتير العصر ،تحدد طبيعة العلاقة بين المتعاهدين .وقد أشار إليها الكثير من المفكرين المعاصرين ،وحللوا عناصرها ورأوا أنها  تحتوي على أكثر من 47 مادة في رأي البعض و70 مادة في رأي البعض الآخر ، وقد فصلها المؤلف وحلل موادها وتعد التعبير الصادق  للمواطنة الصالحة والعيش المشترك .( ص 114 ـ 145 )
7 ــ ثم يقف المؤلف أمام غزوة بدر(2 هـ) ويطلق عليها اسم أم المعارك ،ويتحدث عن أسبابها ،وتفاصيلها ؛ومنها خروج الرسول  صلى الله عليه وسلم  من المدينة متوجها لملاقاة قافلة قريش ثم تحول الأمر إلى صدام مسلح بين قوتين غير متكافئتين عددا وعدة ،إلا أن المسلمين كان يطلبون الشهادة ،وعندهم طاقة روحية تفل الحديد ،وقد انتهت بنصر حاسم ،وكان من أهم نتائجها المبهرة إعادة الاعتبار للمسلمين والتمكين للإسلام في الجزيرة وارتفاع الروح المعنوية في صفوفهم ، وقتل صناديد قريش .علاوة على الدروس المستفادة منها وأهمها تحقيق مبدأ الشورى  والمساواة ،وأهمية العقيدة في الحرب .والإعلاء من شأن العلم . ثم ينتقل المؤلف للحديث عن غزوة الخندق ويتناول بالتفصيل  أسبابها و تعاون المسلمين في حفر الخندق وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تجمع الأحزاب من قريش وباقي القبائل ،أضف إلى ذلك اليهود الذين نقضوا العهود وانضموا إلى قريش، وحصارهم للمدينة  ،ثم المناوشات التي وقعت بين الفريقين ،وتدخل العناية الإلهية بضربتها القاضية بواسطة الريح الصرصر الشديدة ،فشتت شمل قريش وأعوانها ،وكان النصر خاتمة المطاف .
ويتابع المؤلف حديثه عن انتصارات الرسول  صلى الله عليه وسلم  وكان دخول مكة (8 هـ) تتويجا لانتصاراته المبهرة وتمدد الإسلام في شبه الجزيرة ،فيشير إلى أسباب فتح مكة ،وتقدم جيشه الظافر تجاه المدينة المقدسة ودخوله بسلام وتحطيمه الأصنام وعفوه  عن القرشيين ،ومقولته الخالدة : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
وكان من أهم نتائجها انتشار الإسلام في داخل الجزيرة ،وانطلاقه  إلى الآفاق .وحينما عاد الرسول إلى المدينة جهز جيشه للذهاب لمقاتلة الروم في تبوك (9 هـ) للبرهنة على مدى قوة الإسلام وقد جاءت بعد غزوة مؤتة ،وبراعة خالد في انسحاب جيش المسلمين ،ويشرح المؤلف أسبابها ،ومنها عزم هرقل غزو بلاد المسلمين والاستعداد لها ،وظهور حركة المنافقين نظرا لشدة القيظ  وتخلف بعض المسلمين ،ثم تقدم الجيش بقيادة الرسول   صلى الله عليه وسلم  إلى تبوك ،وانسحاب جيش الروم ، وعقده الصلح مع أهل أيلة والجرباء، ثم عودته  ظافرا إلى المدينة . (156 ـ 236)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق